الأربعاء، فبراير 22، 2023

عن الحرية وضرورتها


من الأقوال الخالدة للكاتب العظيم مصطفى لطفي المنفلوطي (الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس)
والحرية في معناها الواسع هي القدرة على التفكير والتخطيط والاختياروالتنفيذ وهي بهذا المعنى ضرورة حياة لكل انسان وبدونها يصبح الانسان أشبه ما يكون بالجمادات منزوعة الروح أو الإرادة أو كلتاهما وان كانت هذه الجمادات تؤدي دورها حسب ما أراد الله لها في حياتنا فهي في ذات الوقت تختلف دورا وجدوى عن دور الانسان الذي سخر الله له كل الموجودات لتكون عونا له في حياته ليقوم بدوره المنشود منه في اعمار الكون بحياة الطيبة باعتباره خليفة الله في كونه والكائن العاقل القادر على القيام بهذه المهمة التي اختصه الله بها دون بقية خلقه تكليفا وتشريفا.
وفي كافة الديانات السماوية منح الله الانسان الحرية الكاملة في اتخاذ قراراته وتوظيف قدراته بداية من قضية الاعتقاد والتي تمثل اهم قضاياه فكان الأمر الالهي (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وان كان الله -جل جلاله-قد وضح لنا مصير الانسان في الحالتين بعد ذلك ولكن الله وضعنا في حالة اختيار بلا جبر ولا قهر وهذا منتهى العدل الإلهي.
فالانسان بعقله الكامل وخبراته وتجاربه ووعيه مسئول مسئولية كاملة عن نتيجة افعاله واقواله متى توفر له العقل والحرية  خلافا لبقية المخلوقات المجردة من هذه الامتيازات والتي جعلتها في منزلة أقل من منزلة الإنسان.
وفي حياتنا اليومية لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش بلا حرية مقننة ومسئولة ليمارس دوره في البناء والعطاء والتنمية اللازمة لحياته والتي تنظمها قوانين كل مجتمع حماية له وحفاظا عليه فلا يمكن أن ينطلق مجتمع دون وجود مكابح لسرعته و إيقافه متى استدعت الضرورة ذلك.
ومن هذه النقطة تبدأ نقطة الاتفاق والاختلاف بين قوانين الله وقوانين البشر في قيادة المجتمعات وتسييرها نحو ما ينفع البلاد والعباد فكلما تقاربت هذه القوانين  تحقق العدل والخير والأمن والعكس صحيح لأن قوانين البشر ناقصة متغيرة مع الزمان والمكان والظروف ولكنها في نفس الوقت ضرورة حياة ووجود لا غنى عنها  لأن القوانين الشرعية لم تعطنا إلا الخطوط العريضة لما يحفظ حياتنا أما التفاصيل الصغيرة والتي قد تكون محل خلاف بين جماعة بشرية واخرى فقد تكفل بها أهل الشورى في كل مجتمع لأنهم أعلم بأمور دنياهم وما يصلحها وهذا أيضا يضيف للحرية هامشا واسعا من المفترض أن تستخدمه الجماعات البشرية في كافة امورها دون إهمال أو تجاهل وهو ما أثبتت جدواه ممارسات المجتمعات المتقدمة التي جعلت مصلحة الجميع قبل مصلحة الفرد في كل امورها بداية من طرق التخلص من القمامة والنفايات وصولا الى تنظيم سلم القيادة من أسفله إلى قمته.
إن أصعب ما يواجهه  الإنسان في حياته هو  وجوده في قفص يكبل فكره وجسده ويمنعه من ممارسة شئونه المختلفة والأقفاص في حياتنا كثيرة فالسجن قفص والمرض قفص والفقر قفص والبيئة المتخلفة قفص وعمل الإنسان الذي يستهلك عمره دون أن يلبي احتياجاته قفص والعادات والتقاليد السلبية قفص وكل هذه الأقفاص وغيرها يجب على الإنسان أن ينجو منها قدر استطاعته حتى لا يدفع ثمن البقاء فيها ولو لوقت قصير.
والحرية في جوهرها ضرورة للابداع والعمل النافع والتنمية الشاملة وصولا للمجتمع الأفضل وهي ذاتها مسئولية كبيرة على صاحبها تكمن في القاعدة المشهورة (أنت حر مالم تضر) وهذا ما تقره شرائع السماء وقوانين البشر.
#عبدالصبور السايح.

عن الحرية وضرورتها